يرى مرتضى المراغى أنه بين المطامع والجيش والحرس الحديدى ، كان الملك يمارس هوايته المفضله ، فى عزل الوزارات وتبديلها بكل بساطة وسهولة .
ويستوقف المراغى أن « جفرسون كافرى » السفير الأمريكى فى مصر ، قد نقل إليها بعد أن كان سفيرًا لبلاده فى فرنسا ، ولا يقطع فى علة هذا النقل ، ويمضى فى بيان أن مستر كافرى كان يواظب على شيئين مواظبة تامة : شرب الكحول بإفراط والذهاب إلى الكنيسة . وقد تقرب إلى الملك فاروق أو أن الملك فاروق هو الذى تقرب إليه ، ظنًا منه أنه سيقوم بحمايته من الإنجليز . وللملك فاروق فى ذلك سابقة تفكير ، إذ أنه بعد حادث 4 فبراير
( شباط ) ، صادق الملحق العسكرى فى السفارة الأمريكية وكان يدعوه إلى القصر ويصحبه معه إلى نادى السيارات ودور اللهو . ويطلب من مصوره الخاص التقاط صورة لهما معًا .
وهذا شىء لم يفعله مع أى شخص آخر . ولعل فاروق أراد من ذلك ــ فيما يقول المراغى ــ أن يشعر الإنجليز بأنه سيلجأ إلى طلب الحماية من أمريكا إذا حاول الإنجليز أن يعتدوا عليه مرة أخرى . ولعله أراد أيضًا أن يشعر أمريكا بهذه الوسيلة أنه صديق لها . أما المستر كافرى فكان شغله الشاغل هو الشيوعية . وكان يشعر بأن الشيوعية خطر داهم على مصر وبالتالى على الشرق الأوسط . ولما كانت مصر هى قلب العالم العربى ، فإنها صارت بذلك منطقة استراتيجية حيوية للدفاع عن الغرب . وقد عبر عن ذلك الرئيس السابق ايزنهاور بقوله إن قناة السويس هى شريان الدم بلنسبة إلى الغرب . كان كافرى يتكلم كثيرًا مع كل من يقابله من الساسة المصريين عن مخاوفه من الشيوعية .
وقد قيل لكافرى من سياسى أحجم المراغى عن ذكر اسمه ، إنه يبالغ فى خطر الشيوعية فى مصر ، فهى لا جذور لها فيها ، ولكن المستر كافرى أكد أنه واثق من استفحالها فى القريب ، وعزا ذلك إلى سوء الحالة الاجتماعية فى مصر والهوة الواسعة بين الغنى والفقير . وإلى أنه من غير المعقول أن يملك الملك وأسرته مئات الألوف من الأفدنة ، وأن تملك أسرة واحدة عشرين ألف فدان بينما ملايين الفلاحين لا يبلغ دخل الفرد منهم أكثر من نصف دولار فى اليوم ؟ مؤكدًا أن هذه هى الأرض الخصبة لكى يضع فيها الشيوعيون البذور .
وعاد السياسى ليتفق مع هذه المخاوف ، ويروى أن كثيرًا من الإقتراحات عرضت على الملك ، لتقريب الفوارق بين الطبقات ولكنه يرفض ولا يتزحزح ، ويطلب من كافرى وهو صديق للملك أن يصارحه وينبهه إلى هذه المخاطر ، فأبدى كافرى أنه سيحاول ، ولكنه غير واثق من النجاح .
مقابلة مع كيم روزفلت
إهتم المراغى بسرد هذه المقابلة ، لأهمية ما ورد فيها حول عوامل الثورة القائمة فى مصر . فيروى أن السفير الأمريكى دعاه إلى حفل عشاء أقامه فى السفارة ، وقدم إليه السفير صحفيًا أمريكيًا ــ كيم روزفلت ــ قال عنه إنه مهتم بشئون الشرق الأوسط ، وفى حديثه معه تناول الصحفى بإفاضة النشاط الشيوعى فى مصر ، ووجه إليه كثيرًا من الأسئلة فى هذا الشأن ، ولكنه فوجئ به يقول :
« ــ هل تعلم أنى قابلت الملك فاروق وأنه استبقانى للغداء معه وتكلمت معه كثيرًا عن الشيوعية فقال لى الملك إنه يعرف عن الشيوعية أضعاف ما يعرفه وزير الداخلية وجميع رجال الأمن .
وضحك روزفلت ضحكة تحمل كثيرًا من السخرية . وضحك المراغى لأنه يعلم أن هذا هو طبع الملك فاروق .
واستمر روزفلت يقول : إن له صلة حسنة بكبار موظفى الحكومة الأمريكية وإنه يشعر بأنهم يريدون مساعدة مصر اقتصاديًا وتكنولوجيًا . ولكنهم يقولون : أن على المصريين أن ينظموا أمر البيت قبل تقديم المساعدة .
قال المراغى : وما هو الطريق الذى يرونه يؤدى الى تنظيم أمر البيت .
قال كيم روزفلت : تقليل الفوارق بين الطبقات بتوزيع جزء من الملكيات الكبيرة على صغار الفلاحين وقيام إصلاح زراعى شامل ومساعدات اجتماعية وصحية للفقراء ورفع مستوى الأجور .
سأله المراغى : هل تكلمت مع الملك فى ذلك ؟
قال روزفلت : تكلمت . ولكن لم أتلق ردًا شافيًا . وصرف الموضوع إلى مواضيع أخرى . ولكنى التقيت بعد ذلك برئيس الحكومة نجيب الهلالي وأعدت عليه حديثى مع الملك ، ووافقنى الهلالى على آرائى
وقال : إنه يحاول جهده يائسًا أن تقوم حكومته بتطهير الفساد .
فسأله المراغى : وأى فساد تراه أنت ، وتلمسه بصفتك صحافيًا ؟
قال : فساد الأحزاب السياسية .
ولاحظ المراغى أن روزفلت لم يتناول أبدًا فساد حاشية القصر . وهو ما لاحظة أيضًا على السفير كافرى الذى كان يحمل دائمًا على الفساد الحزبى ويعرض بالنظام الحزبى فى مصر . وأنه تكلم كثيرًا مع الملك فاروق الذى كان يستمع من كل قلبه إلى الحديث لكراهيته الشديدة لحزب الوفد » ـ