لعله قد اتضح مما تناولناه سلفًا ، أن الأستاذ العقاد من كبار النقاد فى العصر الحديث ، وقد أدرجه شيخ النقاد الدكتور محمد مندور فى كتابه الضافى :« النقد والنقاد المعاصرون » ضمن كوكبة من كبار النقاد ، شملت إلى جواره الشيخ حسين المرصفى المتوفى سنة (1307هـ / 1889م) ، أستاذ الأدب العربى وتاريخه بدار العلوم ، وصاحب الكتاب المفيد الجامع « الوسيلة الأدبية للعلوم العربية » وميخائيل نعيمة ، وعبد الرحمن شكرى وإبراهيم المازنى صاحبى الأستاذ العقاد فيما سمى حركة أو مدرسة الديوان ، فضلاً عن الدكتور لويس عوض ، والأستاذ يحيى حقى .
ومن المعلوم أن الأستاذ العقاد كان صاحب شخصية فذة متعددة الجوانب ، ومن أبرز جوانبه جانب النقد ، بل هو رأس مدرسة نقدية فى الشعر بالذات ، تركت آثارها العميقة فى أدبنا الحديث ، ولم يقتصر نشاطه النقدى على الشعر ، وإنما امتد فى بحور عديدة يلمسها القارئ فى مؤلفاته بعامة ، حيث لم يخل واحدُ منها من تحليل ونقد ، بيد أنه كان صاحب نظرية فى الشعر ، تتابعت فيوضها من مقالاته الباكرة فى خلاصة اليومية والشذور ، وفى مجموعاته : « الفصول » و « مطالعات فى الكتب والحياة » ، و« بين الكتب والناس » ،
و« يسألونك » ـــ هذا إلى مدرسة الديوان التى أحدثت دويًا هائلاً منذ صدر الجزآن الأول والثانى لكتاب الديوان فى فبراير ومارس سنة 1921 ، وكانت النية معقودة على إصدار عشرة أجزاء ، بيد أن العقاد والمازنى توقفا عند هذا الحد ، وربما كان السبب ما شجر من خلاف بين شكرى والمازنى ، إنعكس فى الهجوم الشديد الذى شنه المازنى على الدكتور عبد الرحمن شكرى فى الجزء الأول من كتاب « الديوان فى الأدب والنقد » ، ولهذا الخلاف قصة ربما عدت إليها .
وفضلاً عما تجلى فى مقالات الأستاذ العقاد الأولى ، وفى مؤلفاته بعامة ، فإنه تجلى بالنسبة لنظريته فى الشعر فى كتابه الضافى عن « ابن الرومى حياته من شعره » ، وكتابه
عن « أبى نواس » ، وكتابه عن عمر بن أبى ربيعة ، وعن « جميل بثينة » أو « جميل بن معمر » ، وكتابه عن « شعراء مصر وبيئاتهم فى الجيل الماضى » ، الذى تناول فيه بالنقد والتحليل شعراء ذلك الجيل ، وقد تناولنا كل هذه المؤلفات فى المجلد الرابع من مدينة العقاد ، هذا إلى مقالاته العديدة عن الشعر والشعراء ، التى أسلفنا تناول عددٍ غير قليل منها ، فضلاً عن حركة أو مدرسة الديوان التى نافح عنها الأستاذ العقاد طوال حياته ، بعد وفاة صديقه المازنى مبكرًا ، واعتكاف صديقه عبد الرحمن شكرى مبكرًا هو الآخر إلى أن توفى سنة 1958 .
وحول الأستاذ العقاد ونظريته فى الشعر ، كُتبت مؤلفاتٌ عديدة ، منها الفصل المطول الذى عقده الدكتور حمدى السكوت فى هذا الباب بموسوعة أعلام الأدب المعاصر فى مصر ، وخَصَّ فيها الأستاذ العقاد بمجلدين زيادة على ما خصه لباقى الأعلام : طه حسين ، وعبد الرحمن شكرى ، والمازنى ، وأحمد أمين ـ وتحدث فى فصل بالمجلد الأول للعقاد ـ عن نظريته فى الشعر ، وأعقبه بفصل ثان عن شعر العقاد . والفصلان جديران بمطالعة كل من يرنو إلى دراسة شعر الأستاذ العقاد ونظريته فى الشعر .
ومن أفضل ما ألف عن « شعر العقاد » ، كتاب الدكتورة زينب عبد العزيز العمرى ، وهو فى الأصل رسالتها للدكتوراه ، وهو كتاب عام شامل نفيس القيمة ، تناول فى بابه الأول البيئة السياسية والاجتماعية للعقاد ، ومفتاح شخصيته وأعماله ، وتناول فى بابه الثانى
« نظرية الشعر عند العقاد » ، وديوان العقاد فى الميزان ، واختص الباب الثالث بدراسة فنية وتحليلية لشعر العقاد من نواحى :
( 1 ) التجديد فى شكل القصيدة وموسيقى الشعر .
( 2 ) الموضوعات الشعرىة وأثر التجديد فيها .
( 3 ) أثر الثقافة الواسعة المتنوعة فى شعر العقاد .
( 4 ) شعر العقاد بين النقاد .
وللأسف فإن الطبعة الموجودة لهذا الكتاب النفيس ، طبعة قديمة ترجع فى ظنى إلى أوائل سبعينيات القرن الماضى ، وقد جاءت خالية من تاريخ الطبع ومن رقم الإيداع بدار الكتب ، ولم أهتد إلى طبعة حديثة رغم جدة هذا الكتاب وأهميته ، مما لا يستغنى عنه الباحث فى شعر الأستاذ العقاد ونظرية الشعر عنده ، ولعل الجامعة التى حصلت منها الدكتورة زينب عبد العزيز العمرى على الدكتوراه بهذا المؤلف ، أن تأخذ على عاتقها إعادة طبعه لأهميته الجليلة فى دراسة شعر الأستاذ العقاد ونظريته فى الشعر ، وفى التجديد .