رقم هاتف المكتب

٩٩١ ٥٨ ٠١٠٠٠٠

البريد الإلكتروني

[email protected]

أوقات العمل

الأحد إلى الخميس: ٩ ص - ٣ م

     ظلت المفاخر العنصرية كلها من قبيل العادات الاجتماعية ، لا تجرى ولا ترجع إلى أى قياس منطقى أو عملى .

    ثم اتسع نطاق البحث العلمى فى القرن التاسع عشر ، فأدخل الفوارق بين الشعوب فى موضوعاته الكثيرة ، وأفرد لها علمًا خاصًّا أو بابًا خاصًّا .

     وانتهى البحث إلى وجود فوارق بين خمسة أجناس ؛ الجنس القفقاسى أو الأبيض ، والجنس الزنجى أو الأسود ، والجنس المغولى أو الأصفر ، والجنس الأسمر أو أهل الملايا ، والجنس الأحمر وهم السكان الأصليين للقارة الأمريكية .

     واختصر البعض هذا التقسيم إلى ثلاثة أقسام ؛ فجعل الأجناس الأصفر والأسمر والأحمر فروعًا من أصل واحد ، وأبقى تفريد الجنس الأبيض والجنس الزنجى مستقلين .

     وعنى أصحاب هذه التقاسيم بالفروق البيولوجية التى تورث وتنتقل مع الأجيال .

     أما العالم اللغوى الألمانى « ماكس موللر » ـ فقد تناول دراسة الأجناس من الناحية التى تعنيه ، وهى ناحية المقابلة بين اللغات ؛ فأحيا تعبير اللغات الآرية من جديد ، وقرر أن اللغات الهندية والفارسية نشأت من مهد واحد فى أواسط آسيا أو « أريانا » حسب المسميات القديمة .

     واستشعر العالم الألمانى الكبير أن دعوة الجنس الآرى ستخرج من حيز التفكير العلمى إلى ميدان الصراع على الشهوات السياسية ؛ فحذر من الخطأ فى تفسير كلامه وعاد فى شيخوخته إلى هذا التحذير ، وأوضح أن ما سبق أن نادى به لا يعنى به الدم ولا العظم ولا الجمجمة ولا الشعر ، وإنما يرمى إلى قصد واحد هو أولئك الذين يتكلمون باللغة الآرية …. وختم ما أبداه بقوله : « عندى أن عالم الأجناس الذى يتكلم عن العنصر الآرى والدم الآرى والعيون الآرية والشعر الآرى ـ إنما هو فى خطيئته العلمية كاللغوى الذى يتكلم من معجم مستطيل الرأس أو أجروميته مستديرة على حد سواء » .

     ويضيف الأستاذ العقاد ما نصه :

     « وكان القرن التاسع عشر « مذهب النشوء » كما كان قرن المذاهب العلمية والفلسفية من شتى نواحيها ، فما زالت الأقوال فى مذهب النشوء تتسع وتتشعب حتى عرض لبعض الباحثين فيه أن الأجناس البشرية تنتمى إلى أصول متفرقة لا إلى أصل واحد أو شجرة واحدة ، وأن القردة العليا هى أجناس بشرية سفلى ، وأن المغولى والقرد المعروف بالأورانج نبتًا من أصل واحد ، وأن الزنجى والغوريلا والشمبانزى تنتمى إلى أصل آخر ، وكان رأس القائلين بهذا الرأى عالمًا ألمانيًّا من علماء الأجناس هو الدكتور هرمان كلاتش Klaatsch أستاذ هذا العلم بجامعة برسلاو الألمانية ، فأعلن فى أوائل القرن العشرين رأيه هذا وأيده بما بدا له من الشواهد والملاحظات التى كشفت عنها مقابلاته بين أنواع القردة وأنواع الإنسان .

     « لكن القرن التاسع عشر لم يكن قرن المباحث العلمية ولا قرن النشوء والتطور دون غيرهما . بل كان كذلك قرن التوسع فى الاستعمار وتسخير العلم لخدمة المطامع الاستعمارية والمنازعات السياسية … فظهر من الكُتّاب من يبشر بالجامعة اللونية أو العصبية الجنسية على أساس اللون والعنصر » .

     وقام فى أوروبا من يبشرون بامتياز أجناس الشمال ، ويردون كل تقدم فى العلم والثقافة والحضارة إلى أصل الجنس الآرى المزعوم فى الشمال .

     واشتهر بهذه الدعوة « آرثر دى جوبينو » فى فرنسا ، و« هوستون شمبرلين »  الإنجليزى الذى اصطبغ فى ألمانيا بصبغتها ، ولم تخل أمريكا من هذا الصنف من الدعاة ، وانتقلوا من النزاع بين الأجناس ، إلى ميدان المفاخرة بين المهاجرين الأوروبيين الذين يمتون إلى أصول مختلفة ، كالسكسون وأمم الشمال والجنوب .

     ولم تكن كراهة الأجناس الملونة ـ فيما يقول الأستاذ العقاد ـ هى الدافع الوحيد فى نفوس هؤلاء إلى التبشير بمزايا الرجل الأبيض أو مزايا الجنس الآرى ، وإنما كان كراهتهم للحكومة الحرة أو حكومة المساواة ـ باعثًا آخر لإنكار صفاء الشعوب .

     ولا شك فيما يرى ، أن حروب نابليون كان لها يدٌ قوية فى تمكين هذه النزعة بين الأمم الجرمانية خاصة ، لأنها كانت سلاحها الذى تدرأ به العار عن فخارها القومى فى مجال الصراع بينها وبين اللاتين .

     واتفق أن كان ذلك فى عصر البحث عن الأجناس وعصر النشوء والتطور ، وعصر السباق إلى الاستعمار ، وعصر الديمقراطية التى كان الجرمان قد تخلفوا فيها .

 

الألمان والتفاخر بالجنس الآرى

 

     تعددت الأسباب التى جعلت الساسة الألمان يلهجون بعد الحرب العالمية الأولى
(1914
ـ 1918 ) ـ بمسألة العنصر ودعوى الآرية أو الأقوام الشمالية ، وأن هذا العنصر أو الجنس راجح على كل مخلوقات الله أوروبيين وغير أوروبيين ، قديمًا وحديثًا .

     فقد احتاج الساسة الألمان ـ فيما يضيف الأستاذ العقاد ـ إلى محاربة المذهب الشيوعى ، فوضعوا فى مقابله مذهب الاشتراكية « الوطنية » التى تعتصم بالخصائص القومية فى وجه الدولية التى يبثها الشيوعيون ويخططون بها للثورة على الأوطان .

     ووافقت الألمان الخصائص فى حربهم على الشيوعيين من وجه آخر ، هو المقابلة بين عنصر السلافيين وعنصر التيوتون الذى ينتمى إليه الألمان .

     واستغلوا كذلك ـ دعوة العنصر الآرى استغلالاً آخر فى محاربة اليهود باسم الساميين .

     واستغلوا هذه الدعوة ـ مع هذا وذاك ـ لاستنهاض نخوة الأمة الجرمانية بعد هزيمتها المنكرة فى ميادين القتال ، فأدخلوا فى روعهم وزكوا فيهم أنهم أهل للظفر ـ لا الهزيمة ، وأن الأمم الجرمانية خلقت للسيادة ، وتميزت بطهارة سلالاتها من أى شوائب .

المقالات الموصى بها

اكتب تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *