رقم هاتف المكتب

٩٩١ ٥٨ ٠١٠٠٠٠

البريد الإلكتروني

[email protected]

أوقات العمل

الأحد إلى الخميس: ٩ ص - ٣ م

     من التكليفات النبوية لعمرو بن العاص , الدالة على صواب تقديره عليه الصلاة والسلام وفهمه لطبائع الرجال وصفاتهم , المهمة التى انتدب فيها « عمرًا » إلى عمان , فقد كانت تستلزم كل ما تجمَّع فيه وفطر عليه من اللباقة والدهاء والجرأة , فضلاً عن حب الرئاسة والثراء .

    كتب النبى عليه السلام إلى « جيفر » و « عباد » ابنى الجلندى , يدعوهما دعوة طيبة إلى الإسلام , وبيان ما فيه من هداية وسلام يغنمهما كل من دخل فى باحته , وأن الملك زائل , لا يصادر النبوة التى بعثه بها الله عز وجل .

    حمل عمرو بن العاص هذا الكتاب على ما فيه من ترغيب وترهيب , إلى الأخوين : جيفر وعباد , فكان عند حسن ظن النبى عليه السلام فى مقدرته ودهائه , وتجلى ذلك فى اختياره البدء بأصغر الأخوين « عباد » , لأنه لم يكن على ولاية الملك , وأقرب إلى حسن الإصغاء , وقد صدق توقع عمرو , فأحسن « عباد »  الإصغاء إليه , ووعده بأن يمهد له عنه أخيه « جيفر » .

    فلما ألتقى عمرو بجيفر , وجده أصعب مراسًا , فطفق يسأل « عمرًا » عن نفسه وعن أبيه , وهل أسلم الأب أم مات على غير الإسلام ؟ وجعل يسأله عن موقف قريش
وما صنعته , فلخص له عمرو أمر قريش أوقع تلخيص يحمل فى ثناياه رسالة . قال
عنها : « إما راغب فى الدين وإما مقهور بالسيف » . ثم عقب عمر بكلام فيه ترغيب ووعد , وترهيب ووعيد , ولكنه أتبع العبارات بما يوائم « جيفرًا » من إشعاره بقلة الاكتراث به إذا لج فى عناده , وأبى إلاَّ محاربة الإسلام .

    وقد وفق عمرو فى مهمته , فإذا بالأخوين ومن تبعهما قد مالا إلى الإسلام , ودخلوا فيه , وكافأه النبى عليه السلام على توفيقه , فعقد له ولاية الزكاة , بما فيها من عطاء الأغنياء والتفرقة على الفقراء . وفى القرآن الكريم : « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » ( التوبة 60 ) .

 

صواب اختيارات النبى  r

 

    فإذا كان النبى عليه الصلاة والسلام قد اختار « عمرًا » لهذه المهام السالف بيانها , فإن الواضح أنه اختاره وهو يعرف صفاته وإمكانياته , فلم يكن إرضاؤه هو كل ما توخاه الاختيار , بل عن طريق الخير للإسلام والمسلمين .

    وقد أبقاه النبى عليه السلام على ولاية الصدقة حتى توفاه الله , فآثر أبو بكر أن يبقيه على ما ندبه الرسول إليه , وألاَّ يعزله عنه إلاَّ برأيه ورضائه , وهو ما حدث حينما انتدبه ضمن باقى القادة الذين انتدبهم إلى الشام , ومع أن المهمة كانت أكبر وأبقى , إلاَّ أن
« عمرًا » غمره الحزن لترك ما ولاه الرسول إياه , وبكى طويلاً وجلس يتلقى العزاء كما يتلقاه فى رحيل أقرب الناس إليه .

    ثم جاءت حروب الردة , فكان موقف عمرو منها هو الموقف المنتظر من مثله , فقد كانت الردة ثورة على الإسلام , وثورة من البادية على الحاضرة , وثورة من القبائل على قريش , وثورة على الزكاة الفريضة المقررة للفقراء والمساكين وباقى الفئات التى نصت عليها الآية الكريمة .

    وقد روى أن جوابه كان عنيفًا حين التقى فى طريق عودته من عمان إلى المدينة بزعيم بنى عامر : « قرة بن هبيرة » حين قال له قرة : « إن العرب لا تطيب لكم نفسًا بالإتاوة
( يقصد الزكاة ) , فإن أعفيتموها فستسمع لكم وتطيع , وإنْ أبيتم فلا تجتمع عليكم » .

    إلاَّ أن « عمرًا » ردَّ عليه ردًّا عنيفًا لا هوادة فيه , وصاح به : « ويحك !! كفرت يا قرة ؟ تخوفنا بردة العرب . فوالله لأوطئن عليك الخيل فى حفش أمك » أى فى خبائها !

    وأبى عمرو أن يحجب هذه القالة عن أبى بكر رغم رجاء الرجل أن يحجبها حين ذُهِبَ به إلى الخليفة أبى بكر ,فكان هذا الموقف أول ما استحق به عمرو الثقة والرعاية فى عهد الخلافة .

 

ثقة مكفولة

 

    أحصى الأستاذ العقاد ما أوكله أبو بكر من مهام إلى عمرو , منها حملة تأديب قضاعة , فأحسن البلاء فيها , وبعث به طبقًا لرواية الذهبى رسولاً إلى « هرقل » , ولكن الأستاذ العقاد يغلب أن هذه الرسالة كانت حين كان فى الطريق إلى الشام لاستطلاع حال العرب من حرب الروم , حيث لا يوجد ما يؤيد رواية الذهبى .

    فلما ترامت الأنباء بتأهب هرقل لحرب المسلمين والقضاء على الدولة الإسلامية فى نشأتها , ونما إلى الخليفة أنه أعدَّ لهذه الحرب جيشًا كبيرًا تراوحت تقديرات عدده بين المائة ألف أو يزيدون , على مقربة من حدود فلسطين , فعقد الصديق اللواء فى بادئ الأمر
« لخالد بن سعيد بن العاص »
ـ أخى عمرو لأمه ـ وأمره أن يستعين بالعرب فى طريقه وألا يبدأ بقتال , ويُروى أن « عمر بن الخطاب » كره تولية خالد بن سعيد , لأنه فخور ومتعصب ومندفع , فسعى عند الخليفة فى عزله عندما أخفق إخفاقةً يطول فيها الحديث , فعزله وعقد اللواء « ليزيد بن أبى سفيان  » .

    هنالك جاءت مطامع عمرو أن يتولى قيادة الجيوش التى تصد الروم وتفتح الشام , ولعله أراد أن يكون كصاحبه القديم يوم أسلما : خالد بن الوليد الذى تكفل بدولة الأكاسرة , ففاتح عمر بن الخطاب للحديث إلى الخليفة ليكون أميرًا على الجيوش الخارجة إلى الشام , وفيهم أبو عبيدة أبن الجراح , فلم يتحرج الفاروق فى جوابه عليه من أن يبدى له أنه لا أمير على « أبى عبيدة  » , فإنه أفضل منه منزلة وأقدم سابقة , فلما رأى إلحاحه , انتهره بقوله : « ويلك يا عمرو ! إنك ما تطلب بقولك هذا إلاَّ الرئاسة والشرف , فاتق الله ولا تطلب إلاَّ شرف الآخرة ووجه الله تعالى » .

    وقد استقر رأى الخليفة الصديق على البعوث وقوادها , فأنفذ « أبا عبيدة بن الجراح » إلى حمص , و « يزيد بن أبى سفيان  » إلى دمشق , و « شرحبيل بن حسنة » إلى وادى الأردن , و « عمرو بن العاص » إلى فلسطين , وخشى الصديق أن يقع خلاف على الرئاسة , فقال لعمرو وهو يودعه : « … كاتب أبا عبيدة , وانجده إذا أرادك , ولا تقطع أمرًا إلاَّ بمشورته » , وأوصاه أن يذهب إلى فلسطين عن طريق العقبة .

    وكان ذلك فى السنة الثانية عشرة للهجرة على أرجح الروايات , وبلغ جيش عمرو نحو تسعة آلاف , معظمهم من أهل مكة والطائف وهوازن وبنى كلاب , وبلغ تعداد الجيوش الأربعة نحو سبعة وعشرين ألفًا , ذهب كل من وجهته تأهبًَا لما تسفر عنه الأحداث وأطماع الروم !

المقالات الموصى بها

اكتب تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *