رقم هاتف المكتب

٩٩١ ٥٨ ٠١٠٠٠٠

البريد الإلكتروني

[email protected]

أوقات العمل

الأحد إلى الخميس: ٩ ص - ٣ م

 

 

    إن كلاًّ من الثورة الإنجليزية التى أطاحت بشارل الأول ، والثورة الفرنسية التى أطاحت بلويس السادس عشر ، كانت ثورة أمة بأسرها ، وهكذا حدث فى ثورات مماثلة بالقارة الأمريكية والعالم القديم  .

     أما مقتل عثمان فلم يكن عن ثورة للأمة بأسرها ، ولم يكن فيه حرب بين قوة الدولة وقوة الأمة ، وإنما كانت « حادثة » أقرب إلى مشاغبة جامحة من مشاغبات الدهماء ، قد يستطيعها ابن السوداء ومن يحذو حذوه ممن هو أقل أو أكثر منه  .

      وعلى سبيل المثال ، لم يكن عثمان ليُقتَل لو كانت داره محروسة الحراسة التى تقام لولاة الأمور ، أو الحراسة التى اتخذها لنفسه معاوية بن أبى سفيان فى الشام ، ومن ثم
فلا محل للمقارنة أو الموازنة بين شغب ( إن كانت له أسباب ) وبين ثورة أمة بأسرها كما حدث فى الثورة الإنجليزية والثورة الفرنسية وأمثالهما من الثورات .

     ومن هنا فإن الواجب عند تمحيص الأسباب والتبعات ، أن نفصل بين التطور السياسى وأسبابه وعوامله ، وأن نرجع مقتل عثمان إلى أسباب وعوامل ، وهى أسباب قد تعلوا فيها أطوار التذمر ، مما قد يدوم أو ينقضى بانقضاء آونته ثم لا يعود فى عصره .

 

أسباب ولا أسباب

 

      يرى الأستاذ العقاد أن الأسباب التى ذكرت للحادثين لا تزال فى حاجة إلى إعادة
نظر . لأنها إما أسباب مزعومة يُراد بها غير ظاهرها ، أو اجتهاد بغير روية ، وإما أسباب صحيحة ولكنها لم تفعل فعلها إلاَّ لاقترانها بأحوال تلك الفترة ، ولو حصلت فى فترة أخرى لما كان لها ذلك الأثر  . 

    ويضرب مثلاً بأسباب الفتنة التى ذكرها معاوية لابن الحصين ، وزعم فيها أنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم ـ إلاّ الشورى التى جعلها عمر للستة ليكون الخليفة من بينهم ، فما من واحد منهم إلاَّ رجاها لنفسه ، ولو استخلف عمر كما استخلف أبو بكر ، لما كان فى ذلك اختلاف .

      ولا يفوت المتأمل أن معاوية إنما كان يتحدث بما يدور فى طوايا نفسه قبل أن يعلنه ، أن يعهد بالخلافة كما فعل لابنه يزيد ، فنقل الدولة من الخلافة القائمة على الشورى إلى مَلَكية وراثية .

       وقد تبنى محمد بن سليمان المتفلسف شيئًا من ذلك بصورة أخرى ، فأضاف أن
طلحة بن عبيد الله كان أكثر من اشرأبوا إليها لخيبة أمله فى عدم اختيار ابن عمومته
أبو بكر له بدلاً من عمر ، فإذا كان يرى فى نفسه منافسًا للفاروق ، فإنه ليس بعد عمر من يفضله ، وأعانه الزبير بن العوام لأن منافسة علىّ أو عثمان إذا ولىّ أحدهما الخلافة أشق عليه من منافسة طلحة إذا تولاها  .

      وربما كان الأقرب للصواب ما قاله الشعبى من أن عمر لم يمت حتى كانت قريش قد ملّته لقمعه رؤساءها وحبسه إياهم بالحجاز خوفًا من فتنتهم وفتنة الدنيا بهم ، فإذا كانت هيبته قد سكَّنت الخلاف فى حياته ، فإنهم مختلفون بعد موته لا محالة  .

      ويبدو مما رُوى عن عمر بعد تسمية الستة ،  أنه كان يرى أى الخلافة لن تخرج عن علىّ وعثمان ، ولم يجاوزهما إلى غيرهما من الستة ، فقال لعلىّ : « اتق الله يا علىّ إنْ صارت إليك ، ولا تحمل بنى هاشم على رؤوس الناس » ، وقال لعثمان : « اتق الله يا عثمان إنْ صارت إليك ، ولا تحمل بنى مُعَيْط (بنى أمية) على رؤوس الناس » .

 

*        *        *

      ويعدل الأستاذ العقاد عن الأسباب المزعومة ـ كزعم معاوية ـ أو التى اجتهد لها المجتهدون ، إلى أسباب يراها كانت ذات أثر فى إهاجة الخواطر وتسويغ الانقلاب ، ومنها ما تعلق بالدين ، ومنها ما تعلق بالحكم والسياسة .

    فمما تتعلق بالدين أن الخليفة الثالث عثمان ـ زاد فى الأذان لصلاة الجمعة ، وأتم الصلاة بالحج فى منى وعرفة ، وكان النبى والخليفتان الأول والثانى يقيمونها على القصر ، ومنها أنه جمع القرآن الكريم فى نسخة وأمر بإحراق ما عداها فى المدينة والأمصار .

    ويرى الأستاذ العقاد أن عثمان لم يكن مستبيح حرام فى هذه الأمور ، بل كان متحرجًا غاية التحرج لدينه . فقد زاد فى الأذان لكثرة عدد الناس واتساع المدينة ، وصلى صلاة المقيم فى منى وعرفة لأنه اتخذ بمكة أهلاً فتحرج أن يصلى صلاة المسافر وهو صاحب أهل فى مكة ، أما جمعه القرآن الكريم فإنه من أَجَلَّ الحسنات سبقه إلى مثلها أبو بكر وعمر .

    وليس بيكفى مجرد التعلل بمخالفة المألوف ، فقد خالف عمر المألوف فى منع زواج المتعة ، وفى أعطيات المؤلفة قلوبهم ، وفى الإعفاء من حد السرقة ـ للضرورة ـ فى عام المجاعة ، وفى تسوية الصفوف بالمسجد عند الصلاة ، وفى مسائل أكبر مما أحصوه على « عثمان » فلم يتحدث بها متحدث أو يسخط عليها ساخط ، ناهيك بالثورة وحمل السلاح .

 

 *        *        *

    أما الأمور « الدنيوية » التى قيل إنها أهاجت الفتنة على عهد عثمان ، فمنها غلبة قريش على الأمصار ، وسيادة العرب على الأمم الأخرى ، وتولية بعض الولاة المتهمين فى تقواهم ، وبذل الأمور لذوى القرابة والنصراء .    

     واللافت فى الثوار , أن الكوفيين جاءوا يطلبون الزبير , وجاء البصريون يطلبون طلحة , وجاء المصريون يطلبون عليًّا .

    وهؤلاء الثلاثة من قريش , ومن ثم تبطُل قالة « غلبة قريش على الأمصار » !

    والثابت أن معاوية أقام ملكه بقريش والعرب , وكان يبذل الأموال لذوى القرابة والنصراء , ولم يثر عليه أحد !

    ومن الولاة الذين أنكرهم الثائرون الوليد بن عقبة الذى اتهموه بشرب الخمر , والثابت أن عثمان قد أقام عليه الحد بعد التحقيق وسماع الشهود , ولم يكن توليه فى عهد عثمان وإنما الذى ولاه عمر على الجزيرة واختاره عثمان لولاية الكوفة .

    ويضيف الأستاذ العقاد , أننا سنرى بعد ذلك , أنه ما من عمل نسب إلى الخليفة الثالث إلاَّ حدث مثله من قبله فلم تنشب من أجل فتنة , بل لعله كان من دعائم الدولة وأساس السلطان .

    ولذلك قال الأستاذ العقاد إنها أسباب ولا أسباب , وإنها من بين أسباب مزعومة يُراد بها غير ظاهرها , أو أسباب صحيحة ولكنها لم تفعل فعلها إلاَّ لاقترانها بأحوال تلك الفترة ,
ولو جاءت فى فترة أخرى لما كان لها ذلك الأثر .

 

     لماذا ؟! هذا هو المحز !                                    ( يتبع )

المقالات الموصى بها

اكتب تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *