رقم هاتف المكتب

٩٩١ ٥٨ ٠١٠٠٠٠

البريد الإلكتروني

[email protected]

أوقات العمل

الأحد إلى الخميس: ٩ ص - ٣ م

     لم يتقيد الأستاذ العقاد فى كتابته عن الخلفاء الراشدين الأربعة ، بترتيب توليهم ، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علىّ ، وإنما بدأ بكتابة « عبقرية عمر » وصدرت سنة 1942 ، وتلاها « عبقرية الصديق » وصدرت سنة 1943 ، ثم « عبقرية الإمام علىّ » وصدرت سنة 1943 فى نفس عام صدور « عبقرية الصديق » .

      أما الكتابة عن الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، فقد تراخت الكتابة عنه سنوات ، صدر خلالها : « الصديقة بنت الصديق ( عائشة ) » (1943) ، و« عمرو بن العاص » (1944) ، و« الحسين أبو الشهداء » (1945) ، و« بلال بن رباح ـ داعى السماء » (1945) ، و« عبقرية خالد » (1945) و« فاطمة الزهراء والفاطميون » (1953) ، هذا غير كتب أخرى عديدة صدرت فى تلك السنوات ، أما الكتاب الذى صنفه الأستاذ العقاد عن عثمان فلم يصدر إلاَّ سنة (1954) ، وهذا يورى بأن الأستاذ العقاد لم يكن مقبلاً على الكتابة عنه كإقباله على الكتابة عن الصديق وعمر وعلىّ ، بل وسبقه أيضًا كتب عن الصديقة بنت الصديق ، وعن عمرو بن العاص ، والحسين أبو الشهداء ، وبلال بن رباح ، وعبقرية خالد ، والزهراء .

      وليست هذه هى الملاحظة الوحيدة ، فالملاحظة الثانية ـ ولعلها الأولى ـ أنه لم يسبغ عليه مسمى « العبقرية » الذى خص به شخصية كل من الصديق وعمر والإمام علىّ وخالد بن الوليد ، أما لقب « ذو النورين » ، فمستمد من أنه بنى باثنتين على التوالى من بنات رسول الله عليه الصلاة والسلام .

     ولا يمارى أحد فى دور وعطاء ذى النورين عثمان بن عفان منذ أسلم وحتى ولى الخلافة ، وإنما ثارت ولا تزال تطرح آراء فى سياسته فى إدارة شئون الحكم سيما فى النصف الثانى من خلافته التى وضح فيها زحف بنى أمية على السلطة ، والمكانة التى اقتنصوها استغلالاً لقرابتهم من عثمان ، فضلاً عن لينه وافتقاده كثيرًا مما درج عليه الفاروق عمر ، ومن قبله الصديق أبو بكر ، الأمر الذى أسلس إلى الفتنه الكبرى التى لا تزال آثارها قائمة فى تاريخ المسلمين إلى اليوم .

 

على العهد

 

    بهذا العنوان الداخلى يبدأ الأستاذ العقاد سطور كتابه ، ولا يفوت أنها تتغيا التفسير الذى قصدتُ إليه بإيجاز ، فهو يشير إلى أن وجهته فى كتابة التراجم هى التعريف بالنفس الإنسانية فى حالة من أحوال العظمة والعبقرية ، أو حالة من أحوال النبل والأريحية ، وأنه إذا جاوز هذا المقصد إلى غيره ، فإنما يجاوزه لجلاء فكرة تحيط بأطوار التاريخ الإنسانى وتخرجه من غمار التيه والظلمة .

    وهو يقيس أثر هذه التراجم بمقياسين متقابلين ، بل متعارضين متناقضين ، ولكنهما ينتهيان إلى نتيجة واحدة ، يقيس أثرها بالرضى والقبول من الموافقين ، ويقيسه أيضًا بالسخط والنفور من المخالفين .

       *         *        *

    ويقفى الأستاذ العقاد بأن سيرة الخليفة الثالث عثمان ـ نمط من أنماط متعددة زخرت بها الدعوة الإسلامية من سير الخلفاء وغير الخلفاء : أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلىّ ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وخالد ، وسعد بن أبى وقاص ، وعمرو بن العاص وأمثالهم من الصحابة والتابعين .. فما من أحدٍ منهم إلاَّ كان عظيمًا بمزية وعلمًا من أعلام التاريخ ، فأين كان موضع هؤلاء من العظمة ومن التاريخ ـ لولا العقيدة الدينية ولولا الرسالة المحمدية .

     ويضيف إن فى هذه السيرة لعثمان ، على ما يرجو وعلى خلاف ما يخطر على بال الكثيرين لأول وهله ـ فيها شواهد على العبرة الكبرى أكبر من شواهد أخرى ، فإذا كانت
لا تبرز لنا عبقريةً كعبقرية الصديق أو الفاروق أو الإمام ، فإنها تبرز لنا من جوانب الأريحية صفحة لا تطوى ، وليس لها من مرجع أو باعث غير باعث العقيدة والإيمان .

 

بين القيم والحوادث  

 

     ربما كانت سيرة عثمان ، فيما يورى الأستاذ العقاد ـ أوفى السير بالشواهد على الخصائص التى تلازم تاريخ العقيدة فى أطوارها الأولى ، ولا سيما أطوار التحول فى تاريخ الاستقرار .

     وأبرز هذه الخصائص ـ أنها تاريخ قيم ومبادئ ، وليس بتاريخ وقائع وأحداث .

     والوقائع والأحداث تتشابه فى العصور المتطاولة .

     والحوادث التى تدور على طلب السطوة ، غير الحوادث التى تدور حول طلب الحرية .

     وفى سيرة عثمان رضى الله عنه ، صدمة عنيفة تواجه الباحث فى تاريخ صدر الإسلام ، وتلك هى قتلته البشعة وهو شيخ وقور جاوز الثمانين .

      ومع أن عثمان لم يكن أول خليفة قتل ، فقد قتل من قبله الفاروق عمر بن الخطاب ، بيد أن مقتل عمر لم يكن صدمة فى تاريخ العقيدة ، لأن قاتله كان غلامًا دخيلاً على الإسلام ومن ورائه عصابة تدين بغير الإسلام ، وتكره من عمر ما عمله لإقامة هذا الدين .

     فلا غرابة إذن ولا صدمة فى مقتل الفاروق .

     ولكن الصدمة جاءت فى تلك القتلة البشعة التى انتهت بها حياة الخليفة الثالث عثمان .

     فماذا عساه يكون قد أحدثته العقيدة فى نفوس الحاكمين والمحكومين ؟ ولم يمض جيل على الإسلام ويقتل خليفة المسلمين هذه القتلة !

     لا مراء فى أن السؤال يعبر عن صدمة عنيفة ..

     ولكن السؤال قائم على خطأ جسيم ، حتى وإن يكن خطأ قريب التصحيح !

     فالعقيدة لا تبطل الخلاف والنزاع ، ولا تختم الوقائع والأحداث فى التاريخ !

     العقيدة لا تلغى الحوادث والخصومات ، ولكنها تجدد القيم التى تدور عليها هذه وتلك .

     وعلى هذا ينبغى ألاَّ تكون الخصومات والأحداث هى مدار البحث فى تاريخ هذه الفترة ، بل ينبغى أن يكون مدار البحث على القيم والمبادئ التى دارت عليها تلك الخصومات والأحداث .

     ولقد كان مدار الخصومة فى تلك الفترة على « محاسبة الإمام » : سواء محاسبة الرعية للإمام ، أو محاسبة الإمام لنفسه . وقد كان كل أولئك جديدًا فى التاريخ ، وهو شىء يقيم ويقعد فى حياة الأمم ، لا سيما حياتها فى أطوار العقيدة الأولى .

      لم يكن أبناء الجاهلية قد درجوا على حق الحساب بين الحاكم والمحكوم !

      أما فى البادية ، فقد كان الحساب كله على شريعة الثأر والانتقام ، والإغارات المتبادلة بين القبائل معروفة ، وقد أشار الأستاذ العقاد إلى بعضها .

     أما المحاسبة بين الحاكم والمحكوم كقيمة كبيرة ، فإنها نشأت مع العقيدة الإسلامية . وهذه المحاسبة هى فى ذاتها قيمة كبيرة على جميع حالاتها .

    ومن المفارقات أن القانون يصونه أناس مخلصون ، ويدعى غيرهم صيانته كاذبين مدلسين . بيد أن القانون على الحالتين كسبٌ عزيز لا يستهين به عاقل ، ولا يقول أحد بالاستغناء عنه من أجل الكذب به أو الكذب عليه .

      فماذا كان ؟!                                             ( يتبع )

المقالات الموصى بها

اكتب تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *