رقم هاتف المكتب

٩٩١ ٥٨ ٠١٠٠٠٠

البريد الإلكتروني

[email protected]

أوقات العمل

الأحد إلى الخميس: ٩ ص - ٣ م

الأدب

     لا يجد الأستاذ العقاد غضاضة فى أن يبدأ هذا الفصل بالاستشهاد ببعض ما كتبه الأستاذ « جب ـ Gibb » فى فصل ممتع فى مجموعة تراث الإسلام ، عن أثر العرب فى الآداب الأوروبي واستشهد فيه بكلمة للأستاذ « ماكييل ـ  Macail» من محاضرات على الشعر قال فيها : « إن أوروبا مدينة لبلاد العربية بنزعتها المجازية الحماسية Romance  كما هى مدينة بعقيدتها لبلاد اليهودية .. وإننا مدينون لبطحاء العرب وسوريا بمعظم القوى الحيوية الدافعة ـ أو بجميعها ـ التى جعلت القرون الوسطى مخالفة فى الروح والخيال للعالم الذى كانت تحكمه روما » .

    ومع أن الأستاذ « جب » لا يقر كل هذا التعميم ، فانه لا ينفى الأثر الذى تركه الأدب العربى فى شعر الأوروبيين ونثرهم منذ القرن الثالث عشر إلى القرون الحديثة ، وإن كان يرجح أن هذا الأثر قد تسرب من طريق الإيحاء والرواية اللسانية بين المسلمين الذين يتكلمون العربية وبعض اللغات الأوروبية وبين شعراء فرنسا الجنوبيين .

    ويرى الأستاذ العقاد أن العقل يأبى أن يذهب الأدب العربى فى الأندلس من صفحة التاريخ بغير أثر مباشر على الأذواق والأفكار والموضوعات والأساليب اللغوية التى تستمد منها الآداب .

     ويزيد هذا الاعتقاد أن أوروبا كانت تتلقى آثار الثقافة العربية من ثلاث جهات متلاحقة فى القرون الوسطى : القوافل التجارية . المواطن التى احتلها الصليبيون وعاشوا فيها . الأندلس وصقلية وغيرهما من البلاد التى قامت فيها دول المسلمين .

      ويضيف الأستاذ العقاد أنه قد اقترنت بموضوعات الأدب العربى ـ أسماء من عباقرة الشعر فى أوروبا خلال القرن الرابع عشر وما بعده ، ويخص منهم بالذكر بوكاشيو ، ودانتى ، وبترارك ، وشوسر ، وسرفانتس .

      فقد كتب بوكاشيو سنة 1349 م ـ حكاياته « الصباحات العشرة » ، وحذا فيها حـذو « الليالى العربية » ، وضمنها مائة حكاية من طراز حكايات ألف ليلة وليلة . وقد ملأت هذه الحكايات أقطار أوروبا واقتبس منها شكسيبر موضوع مسرحيته «العبرة بالخواتيم» ، كما اقتبس منها « لسنغ » الألمانى مسرحيته « ناثان الحكيم » .

    وكان شوسر إمام الشعر الحديث فى الإنجليزية أكبر المقتبسين فى زمانه ، فقد نظم بعد لقائه ببوكاشيو قصصه المشهورة باسم « قصص كانتربرى » ـ ومنها ما اقتبسه من ألف ليلة وليلة .

    ويرى الأستاذ العقاد أنه ربما كانت صلة « دانتى » بالثقافة العربية أوضح من صلة بوكاشيو وشوسر ، لأنه أقام فى صقلية على عهد الملك فردريك الثانى الذى كان يدمن دراسة الثقافة الإسلامية ، ودارت بينهما مساجلات كان بعضها مستمدًّا من الأصل العربى ، وقد لاحظ غير واحد من المستشرقين أن الشبه قريب جدا بين أوصاف الجنه فى كلام ابن عربى وأوصاف دانتى فى الكوميدية الإلهية .

    وعاش« بترارك » فى عصر الثقافة العربية بايطاليا وفرنسا وحضر العلم بجامعتى مونبليه وباريس وكلاهما قامتا على تلاميذ العرب فى الجامعات الأندلسية .

    أما« سرفانتس » فقد عاش فى الجزائر بضع سنوات ، وألّف «دون كيشوت » بأسلوب لا يشك قارئة فى اطلاع كاتبه على العبارات والأمثال العربية الشائعة .

*           *          *

    إلاَّ أن الأثر الذى يفوق هذه المقتبسات الفردية ـ فى نظر الأستاذ العقاد ـ هو الأثر الشامل الذى يُعْزى إليه أكبر الفضل فى إحياء اللغات الأوروبية الحديثة وترقيتها إلى مقام الأدب والعلم . ويضيف أن شيوع التعليم بالعربية كان سببًا لإهمال اللاتينية والإغريقية وخطوة لابد منها لإحياء اللغات الشعبية فى البلدان الأوروبية وتداول الشعر والبلاغة والعلم ـ بهذه اللغات الشعبية .

    ولم تنقطع الصلة بين الأدب العربى أو الإسلامى ـ بين الآداب الأوروبية الحديثة من القرن السايع عشر إلى اليوم . حتى أننا لا نجد أديبًا من نوابغ الأدباء عندهم خلا شعرة أو نثره من بطل إسلامى أو نادرة إسلامية ، وتمثل الأستاذ العقاد بشكسبير و أديسون وبيرون و سوذى وشيللى من أدباء الإنجليز ، وبجيتى وهردر ولسنغ وهينى بين أدباء الألمان ، ولافونتين الفرنسى الذى صرح بأنه اقتدى فى أساطيره بكتاب كليلة ودمنة الذى عرفه الأوروبيون عن طريق المسلمين .

    وهناك من يرى من النقاد الأوروبيين أن « رحلات جلفر »التى ألّفها «سوفيت » ، ورحلة « روبنسون كروزو » التى ألّفها « ديفوى » ـ مدينة لألف ليلة وليلة ، ولرسالة «حى بن يقظان» التى ألّفها الفيلسوف «ابن طفيل » ، وأن ألف ليلة وليلة كان لها تأثير بالغ بعد ترجمتها .

    على أن المدرسة المجازية الحماسية فى أوروبا فى القرون الوسطى ، إنما هى فيما يرى الأستاذ العقاد ، وليدة الحياة الحماسية المجازية التى سرت من فاتحى العرب والمسلمين إلى الغرب ، فلم تكن أوروبا تعرف بآداب الفروسية ونخوتها الحماسية قبل وفود العرب إلى الأندلس وانتشار فرسانهم وأبطالهم فى أقطار الجنوب .

    وقد بلغت المفردات العربية التى أضافها الأسبان والبرتغاليون إلى لغتهم ما يملأ معجمًا غير صغير ، ولدخول هذه المفردات فى الحياة الاجتماعية والمقاصد النفسية أثرًا أبلغ من دخولها فى صفحات المعاجم .               

المقالات الموصى بها

اكتب تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *