رقم هاتف المكتب

٩٩١ ٥٨ ٠١٠٠٠٠

البريد الإلكتروني

[email protected]

أوقات العمل

الأحد إلى الخميس: ٩ ص - ٣ م

     هذا الخلط بين العلم والخرافة , جدير بالسخرية , ولكن الأجدر بالسخرية منه , من يجوز عليه هذا التخليط واللغط بالعلم , فهذه الهلوسة هى التى جعلت تلك الخرافة أهلاً للبحث فيها بمقاييس العلم وموازينه !

   لقد استعار « ماركس » هذه التلفيقة الفلسفية لنواميس المادة والمال , وكان « هيجل » يقول ـ على ما هو معلوم ـ إن الفكرة تحمل ضدين , ثم يجتمع الضدان فى تركيب واحد يخرج منه ضده , وهكذا دواليك , إلى أن يأتى الموعد الذى تبطل فيه الأضداد وتنطوى فى الفكرة المطلقة إلى الأبد الموعود .

     وجاء « ماركس » فقال فى استعارته إن هذه التلفيقة تصير صوابًا لا صواب غيره إذا ما طبقنا هذا الفكر على مسائل المادة والاقتصاد , وخَيَّل أن النواميس الكونية تعمل على هذا النهج , بيد أن هذه النواميس لم تعمل شيئًا على وفاقه , ذلك أن عناصر المادة التى نيفت على المائة لم تتسلسل واحدًا بعد الآخر على هذا النهج المزعوم , بل ولم يتغير عنصر منها وفقًا للضدية المزعومة , ولم يتوقف تركيب أى عنصر منها على ذلك التسلسل فى الترتيب , وإنما توجد ألوف العوامل الطبيعية التى لا تستلزم خروج الضد من الضد كما يقال !

*           *            *

       كان « انجلز » مخلوقًا مؤنث المزاج بتعبير العقاد , يكتب إلى أخته وهو فى الثالثة عشرة فيروى لها أخبار الكتاكيت . وكان من طبيعته أن يقع تحت تأثير كل شخصية يعاشرها فترة من الوقت , ولو كانت شخصية فتاة يعولها .. فكانت « مارى بيرنز » ـ فتاته الأيرلندية ـ هى التى قادته إلى وكر الثوار الأيرلنديين .

     ولم يكن مذهب « انجلز » أن تستقل الشعوب الصغيرة , لأنه كان ينصح الشعوب الأوروبية الشرقية بالاندماج فى الأقوام الكبرى التى تحدق بها , ولكن قادته فتاته الأيرلندية إلى حيث شاءت لأنه سهل الانقياد !

     وعقدته الأخرى أن أباه الصارم كان يشعر بخيبة الأمل من ميوعة ولده وخليفته فى عمله , فقد كان الأب شديد التدين على مذهب « كالفن » المشهور بالتعصب والحمية , فأدخل ابنه مدرسةً فى رعاية أستاذ معروف بالصرامة والرياضة على الجد والعقيدة الدينية , بينما لم تكن للابن طاقة بالجد ولا بالعقيدة , وصادفته فترة من الشكوك العامة شاعت بين أقرانه فى عصر « فيورباخ » داعية الفلسفة المادية و « ستراوس » صاحب القول بالشك فى وجود السيد المسيح .. فانتهى به الأمر إلى الفرار من العمل فى مصنع أبيه ليعيش مع « كارل ماركس » فى بروكسل .

   وفى سيرة « باكوتين » ـ إمام الشيوعية الفوضوية , إيماء إلى فجيعة فى رجولته وعلاقاته بعشرائه من الفتيان المهاجرين إلى سويسرا , وكان يقول إنه بحاجة إلى أم ترعاه فى هذه الغربة ! وكان يتزوج وهو يعلم أنه لا مأرب له فى الزواج فتفارقه زوجته بإذنه لتلحق بعشيقها فى إيطاليا ثم تعود إليه حاملاً ثم تفارقه مرة أخرى بصحبة فتًى من فتيانه « نشاييف » , ثم لا تلبث أن تبلغه بعد أسابيع أنها حامل وستعود للوضع لديه ..

     وقد آل هذا التراث الملوث ـ فيما ينقل إلينا العقاد ـ إلى زعيمين منفذين , هما أكبر من تولى الشيوعية بعد قيام دولتها فى بلاد القياصرة : « لينين » و « ستالين » , وكلاهما ناقص التكوين من مولده , وكلاهما منعوت بألسنة ذويه وأعرف الناس به بنعوت خليقة بان تسلكهما فى زمرة بعيدة عن الصدق وحب الخير والصلاح .

     ويتعقب العقاد ما أحاط بـ « لينين » من طفولته وخلال أدوار نموه , ليثبت أنه خرج بمجموعة من السلبيات , وليس أحجى فيها مما ثبت من عاطفة ناقصة تنم عن تكوين ناقص , وهو ما انعكس فى مقولات تشف عن ذلك , بعضها فى حديث رواه عنه « مكسيم جوركى » الكاتب الروسى المشهور , ومنه أنه يخشى من التلطف مع الناس , وأنه رغم حبه للموسيقى يحذر الإصغاء إليها طويلاً لأنها ترقق العاطفة وتهم بيد السامع لها أن يربت على رؤوس من حوله !

     ويضيف العقاد أن « لينين » أصيب بالعجز التام عن الحركة فى آخر أيامه , وقيل أن ذلك كان من أثر رصاصة لم تقتله , وقيل بل من أثر النقص الكامن فى تكوينه وظهر مبكرًا فى عجزه عن المشى قبل الرابعة , وتواترت شائعات من المطلعين على أخباره ومنهم « تروتسكى » بأنه مات مسمومًا ولم يمت مباشرة بفعل الفالج الذى كان يعاوده فى السنة الأخيرة , وقيل أن « ستالين » هو الذى عجل بسمه خشية على مركزه فى الحزب بعد وصية « لينين » لأعضاء اللجنة العليا بالتخلص منه ـ من « ستالين » ـ وإسناد سكرتارية الحزب إلى غيره .

*           *             *

     أما شخصية « ستالين » فذات طبيعة تقاربت فى تفسيرها أقوال الشيوعيين وأعداء الشيوعية , وتكررت فى أعمالها دلائل الإجرام . وعنه قال « لينين » فى رسالته إلى لجنة الحزب العليا إنه فظ خبيث دساس , لا تُؤْمن عاقبة كيده على الحزب والمذهب .

     وشهادة « لينين » على صاحبه , أخف وطأة على « ستالين » من شهادة الزعماء الذين خلفوه وشاركوه فى الحكم مددًا لا يقل أقصرها عن خمس سنوات , وقد تبلغ الثلاثين , ومنهم عرف العالم بعد ثلاث سنوات من موت « ستالين » أنه « كذاب سفاح يهدر الأرواح بالمئات ويسخر مناصب الدولة الكبرى لخدمة شهواته وشذوذه الجنسى الذى اتسم بجنون القسوة أو السادية , وأجمعوا على أنهم كانوا يخرجون من عنده وهم لا يصدقون بالنجاة من شطحاته ! » .

     والثابت فيما يورده العقاد , أن زعماء الحزب الذين قتلهم « ستالين » فى محاكماته ـ لا يقلون عن ثلاثة أضعاف الزعماء الذين قتلهم جميع القياصرة , وأن ضحايا عهده بلغوا الملايين من القتلى والسجناء والمنفيين والمفقودين .

     أما نقص التكوين فى « ستالين » ـ فهو حقيقة لا تحتاج إلى إثبات , فقد رُفض تجنيده لعدم اللياقة الطبية لذواء ذراعه اليسرى والتحام أصابع قدمه واختلاج فى نظره .

     أما إجرامه المطبوع فثابت من دوائر الحزب ومن دوائر الحكومة , وبلغ من استخفافه بالأرواح أنه ألقى على مركبة البريد قذيفة جهنمية اشتهرت فيما بعد « بقذيفة تفليس » دون أن يحفل بأرواح الأبرياء اللذين كانوا بالمركبة ـ طمعًا فى المال المحمول فيها لصرف مرتبات الموظفين .  

     وأما الطامة الكبرى بين وصماته , فكانت مجهولة قبل انفجار السخط عليه من أتباعه وخلفائه , حيث افتضح أنه كان جاسوسًا قيصريًّا إلى ما قبل سقوط القيصرية بقليل , وأن اللذين عُرِفَ أنهم عرفوا هذا السر المرهوب ـ قد هلكوا جميعًا فى محاكمات ملفقة !

     وحينما جاء دور المحاكمات أو التطهيرات , أمر « ستالين » صنيعته « بريا » بأن يستخرج من الأضابير وثائق تدين الزعماء المدفوعين إلى المحاكمة , فإن لم يجدوا فعليهم أن يستخرجوا أوراقًا تدين أناسًا آخرين لتهديد أصحابها وإرغامهم على الشهادة التى تدين الزعماء المغضوب عليهم !

     وقد اطلع أحد رجال « بريا » عفوًا أثناء البحث على صور ورسائل مكتوبة بخط « ستالين » تكشف سره الرهيب , فارتاع الرجل وأخفى ما رآه , إلاَّ عن رئيسه السابق الذى يطمئن إلي شرفه ونزاهته : المارشال « توخاشفسكى » الذى ذهب فيما بعد ضحية لهذا السر القاتل , وذهبت معه فئة خاصة من زملائه اطلعوا على الأوراق وقيل إنهم اقتنعوا بالانقلاب العسكرى على سيطرة الطاغية , فتسرب سر المؤامرة , ولم يمهلهم الطاغية إلاَّ ريثما يهتدى إلى موضع الأوراق التى يقال إنه لم يهتد إليها , وقد عاش من العارفين بهذا السر اثنان , عاشا فى خارج روسيا : « إسكندر أورلوف » صاحب كتاب جرائم ستالين ,
و« إسحق ليفين » واضع إحدى ترجماته المتداولة , وأخفى الوثائق التى وصلته بخزانة أحد المصارف المجهولة , أما « أورلوف » فقد أذاع على حدة خبر وثائقه بعد انتهاء الحملة على ستالين من جانب الكرملين , وأوجز القصة فى مقال نشره فى مجلة لايف
ـ عدد مايو 1956 ـ أفشى فيه ما كان يومئ إليه خوفًا من مطاردة ستالين وإشفاقًا على من بقى من ذويه فى البلاد الروسية !

( يتبع )

المقالات الموصى بها

اكتب تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *